“الديموتقراطية” قراءة في ديمقراطيات المستقبل

بقلم الدكتورة ميسون تليلان السليم

في زمن تتسارع فيه خطوات الذكاء الاصطناعي بشكل يسبق التوقعات، لا بد وأن تتأثر الديمقراطية كنظام سياسي بالتطور الكبير الذي يشهده هذا المجال؛ ومقالي هذا باختصار محاولة لاستقراء جانب من جوانب ديمقراطيات المستقبل، ومن هنا اجتهدت باشتقاق مصطلح “الديموتقراطية” حيث يجمع ما بين الديمقراطية بمفهومها الكلاسيكي والتقراطية التي تعني حكم التقنية أو دورها المركزي في اتخاذ القرار.
الديمقراطيات النامية في تأرجحها الدائم بين الديمقراطية العددية حيث تغلب الحسابات الكمية على النوعية، والتكنوقراطية التي تعتمد على الكفاءات لكنها كثيرًا ما تُتهم بالانفصال عن واقع الشعوب، تصطدم بجدار النخبوية ومآلاته من جهة، ومن جهة أخرى بجدار العددية أو الكمية غير المنتجة أو الهدامة، فلا الكم ينجح وحده، ولا النخبة تنجح دون مساءلة.
ولطالما كان الحل الذي يطرحه المفكرون السياسيون هو إيجاد آلية أشبه ما تكون بالضمير الحارس (الضمير المستقل المنعزل الذي يحمي الديمقراطية من غلبة العدد الكمي مقابل النوعي وفي نفس الوقت يمنع التكنوقراطية من التحول إلى نخبة سلطوية تهمش الصالح العام)، لكن المشكلة كانت دائما في إيجاد هذه الآلية حيث إنها تعتمد على العنصر البشري المعرض في كثير من الأحيان للانزلاق في نفق النخبوية.
مع التطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نتخيل مستقبلاً قريبًا يؤدي فيه هذا الكيان غير البشري دور الحارس الأخلاقي للديمقراطية بحيث يكون أداة رقابة وتحليل شفافة، تعمل خوارزمياته الأخلاقية والاجتماعية السياسية على مراقبة أداء السلطات الثلاث، وتقييم السياسات العامة ومدى خدمتها للصالح العام، وكشف الانحرافات الأخلاقية والمعلوماتية، وتنبيه المؤسسات والمواطنين إلى مناطق الخطأ أو الخلل، كونه محرك أخلاقي لا يتعب ولا ينسى ولا يحب ولا يكره ولا يخضع لنوازع بشرية، لا يتخذ القرار ولا يعطل البرلمان ولا الرأي العام، لكنه يضئ بالأحمر حين تنتهك المبادئ السامية الضامنة للصالح العام مثل العدالة والكرامة والتوازن بين السلطات وتكافؤ الفرص وغيرها الخ..
لعل “الديموتقراطية” ستكون شكلا من أشكال الديمقراطيات المستقبلية تستعين بها الأنظمة لمراقبة عمل المؤسسات التشريعية والتنظيمية والتنفيذية وتسخرها لخدمة الصالح العام، تشارك فيها الشعوب في اتخاذ القرار، بينما يضمن الذكاء الاصطناعي نزاهة القرارات ومطابقتها للصالح العام، ولربما يكون للذكاء الاصطناعي دورا رقابيا يضمن الدقة والحياد.
ولربما تصبح “الديموتقراطية” في المستقبل المنظور جسرا سريعا للديمقراطيات النامية للتحول السريع لديمقراطيات مكتملة، ولكن يبقى السؤال الأهم: من يبرمج هذا الضمير الحارس؟ وهل يمكن حقًا أن نخلق ذكاءً أخلاقيًا لا يخضع بدوره لتأثيرات بشرية أو مصالح خفية؟
تلك أسئلة تحتاج إلى المستقبل كي يجيب عليها، لكن المؤكد أن “الديموتقراطية” خيار مستقبلي واقعي أكثر من كونه سيناريو خيالي.

الروابط الإخبارية:

https://alrai.com/article/10902445/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84

https://www.ammonnews.net/article/940351